سر الأحجار الغامضة - 1

- وها هي منشفة اليدين. أعتقد أني وضعت كل ما يلزمني في هذه الحقيبة.

- صباح الخير يا صبا. ما هذا النشاط؟ طبعًا، رحلة التخييم جعلتك تستيقظين وحدك باكراً

- آآه يا أمي، كم أنا متشوقة للتجول في الغابة واستكشافها.

- هذا واضح جداً

خرجت الأم من الغرفة وهي تقول ضاحكة:

"العالمة الصغيرة ستقوم برحلة مثيرة".

توجهت صبا نحو النافذة وفتحتها، ورفعت ذراعيها فداعب نسيم الصباح خصلات شعرها، صاحت بفرح:

- أنا قادمة أيتها الغابة.

فطارت العصافير التي كانت تحط على الشجرة المجاورة، وكأنها تريد أن تسبقها نحو الغابة.

ركبت صبا حافلة المدرسة بجوار صديقتها المقربة هبة، ولم تشعر بالوقت الطويل الذي استغرقه الطريق، فعندما تبدأ الحديث مع هبة يمر كل شيء بسرعة.

وصلت الحافلة إلى الغابة ونزل الجميع، تسمّرت صبا في مكانها وهي تنظر في أرجاء الغابة مدهوشة من جمالها وغناها.

"يا إلهي!"

لأول مرة تشعر صبا أنها كائن صغير جداً.

ورددت في نفسها: "لماذا لا نعيش في هذه الغابات بدل الأبنية والشوارع المملة؟ هذه هي الطبيعة الحقيقية، وليس ما يسمّى بالحدائق التي نذهب إليها في المراكز التجارية".

وللحظة تهيّأ لها أنها داخل حلم من أحلام المغامرات التي كانت تراودها، ولم تستيقظ إلا على صوت المشرف وهو يدعوهم لنصب الخيام وترتيب حاجياتهم داخلها، وأكد على موعد اجتماعهم، بعد نصف ساعة تمامًا في ساحة المخيم.

مرت نصف الساعة وجلس الجميع على شكل مربع مفتوح، يتوسطه المشرف الذي بدأ يتحدث عن أهمية رحلات التخييم، وبأنها فرصة ليعتمد الأطفال على أنفسهم ويتعلموا معنى التعاون، ويكتشفوا الطبيعة من حولهم.

كانت صبا تتوق جداُ لآخر جزء من حديث المشرف، اسكتشاف الغابة، نعم، فكم وكم من الألغاز والأحاجي التي تخبئها هذه الغابة الكبيرة في أرجائها، وتحت ترابها، وداخل جذوع أشجارها.

أنهى المشرف الاجتماع وأسند المهمة الأولى للأشبال:

"هيا.

عليكم جمع أعواد الخشب لإشعال النار وإعداد الطعام. ولاتنسوا التقيد بالتعليمات والقوانين الكشفية التي تعلمناها سابقًا، والآن إلى العمل".

تناولت صبا وعاءً لملء الأعواد ثم قفزت نحو هبة وسحبتها من يدها لتدخلا مجاهيل تلك الغابة العتيقة الغامضة:

"لا تركضي يا صبا، أريد أن ألتقط بعض الصور لهذه المناظر والأماكن الساحرة".

- لا وقت لدينا الآن، ستجدين ما هو أجمل داخل الغابة لتصوريه.

سر الأحجار الغامضة - 2

بدأتا بالتجول في أرجائها. كانت هذه هي المرة الأولى التي تشاهدان فيها سنجاباً يقفز فوق الأغصان بوجنتيه المنفوختين اللذيذتين، وعينيه الواسعتين، وقد وقف متعلقاً بالشجرة بمخالبه، يلوح يمنة ويسرة بذيله المنفوش.

وأخذت هبة بالتقاط صور له وهي تردد:

"هاهاها، ما ألطفه"

في حين انحنت صبا تلتقط أعواد الخشب الصغيرة وهي تتأمل هنا وهناك. أشجار باسقة، فارعة، خيل إليها أنها ستمسك بإحدى الغيوم إن تسلقت أعلاها، يا لجمالها!!

وفجأة سمعتا صوتاً غريباً قرب قاعدة إحدى الأشجار:

"هل تسمعين يا هبة: "ما هذا الصوت؟"

كان هناك فتحة صغيرة يصدر منها صوت يشبه الزعيق مع خربشة خفيفة، وفجأة ظهرت عينان متوهجتان حمراوان وسط عتمة تلك الفتحة، وبدت تلك العينان لصبا للوهلة الأولى مخيفتين، ترددت قليلاً في الاقتراب، ثم تشجعت وقررت خوض تلك المغامرة الصغيرة، لكن ما إن خطت خطوتها الأولى حتى اختفت تلكما العينان. ارتبكت قليلاً ثم قررت الاقتراب أكثر، و... فجأة قفزت من الفتحة كرة بيضاء صغيرة، كادت أن تضرب وجهها، إلا أنها أرجعته إلى الخلف بسرعة، وانطلقت كالصاروخ مبتعدة عنها.

لم تدرك ماحدث مباشرة، فقد سقطت على الأرض، وسقط الوعاء من يدها وانتثرت الأعواد من حولها التفتت حيث انطلقت تلك الكرة البيضاء، فلمحت أرنباً ناصع البياض، يختفي مبتعداً في الغابة.

صرخت هبة: كان أرنباً إذاً. آآآآه سألحق به، ستكون صورة جميلة لهذا الأرنب البري.

أخذت صبا نفساً عميقاً، وعادت لملء الدلو بأعواد الخشب المتناثرة هنا وهناك، وفجأة لمحت تحت الشجرة شيئاً غريبا يلمع تحت الأوراق الجافة، مدت يدها وأبعدت الأوراق، لتجد حجراً أحمر اللون شفافاً يبهر العيون بصفائه، حبست أنفاسها وتوسعت عيناها دهشة: "يا إلهي ما أجمله، لا بد أنني وجدت كنزاً، يبدو أن الغابة وثقت بي وبدأت تكشف لي أسرارها". بدأت تنبش التراب في المكان الذي وجدت فيه حجرها المدهش، ولكن للأسف انطلقت صافرة المشرف معلنة انتهاء المهمة وضرورة عودة الجميع، فنهضت لتجد هبة قد عادت والسرور يغمرها بعد أن التقطت صورها المميزة لذلك الأرنب الثلجي، وتوجهتا معاً إلى المخيم.

كانت صبا تتحرق شوقاً لاكتشاف المزيد عن ذلك الكنز، ولكن لم يفت الأوان بعد، ستجد الفرصة المناسبة للعودة والاكتشاف.

وفي طريق العودة أرادت أن تخبر هبة عما وجدته، ولكن حديث هبة المتواصل عن الصور الرائعة التي أخذتها في الغابة، والحيوانات التي صادفتها وهي تلاحق الأرنب جعلها تؤجل الحديث.

عندما وصلتا إلى المخيم كان الجميع مشغولاً بإعداد الطعام، فهذه تغسل الخيار والبندورة، وتلك تقطعها، وأخريات تولَّين مهمة شي قطع الدجاج، وتولى المشرفون مهمة طهي الأرز. كان المخيم يشبه خلية النحل في نشاطه وحركته وتفاعله، وتوجهت الصديقتان لتستلما مهمتيهما كما فعل الجميع.

أخيرًا، أصبح الطعام جاهزًا، فتحلّق الجميع حول الموائد، وتناغم صوت طرق الملاعق وثرثرة الكشافة مع حفيف الأشجار وزقزقة العصافير.

لم تذكر صبا أنها تذوقت ألذ من هذا الطعام. يبدو أن للتعاون طعمًا مختلفًا بالفعل. لكن لذة الطعام لم توقفها عن التفكير بذلك الحجر الأحمر الذي خبأته في جيبها، فظلت شاردة الذهن تفكر في كنز عجيب، وتنتظر الوقت المناسب لتعود وتكتشفه.

وما إن انتهى الجميع من الطعام والتنظيف، حتى وقف المشرف وهو يشير إلى أطراف الغابة وقد بدا عليه الحماس، وصاح بأعلى صوته:

- حان وقت الاستكشاف. انتشروا في أرجاء الغابة واجمعوا ما ترونه مميزًا ومثيرًا.

ثم نصب المشرف علمًا وسط ساحة التخييم، وطلب من الجميع أن يذهب في الاتجاه الذي يريده، شريطة أن يبقى العلم ظاهرًا له، ليتمكن من معرفة طريق العودة، ولا يضيع وسط الغابة.

بحثت صبا عن هبة لتذهب معها لإكمال رحلة اكتشاف الكنز، لكن هبة كانت مع المشرفين، تلتقط بعض الصور الجماعية. لم تستطع انتظارها، انطلقت وحدها كالصاروخ داخل الغابة إلى أن وصلت إلى تلك الشجرة، وبدأت بنبش التراب في المكان الذي وجدت فيه الحجر، ولكنها لم تنبش كثيراً، حتى وجدت حجراً آخر أصفر اللون تتخلله بعض العروق البنية، قلبته بين أصابعها مدهوشة، ااااه.. لا شك أنها تكتشف كنزاً.

أبعدت التراب قليلاً لتجد بجواره كيساً حريرياً لماعاً له حبل من الأعلى التقطته بسرعة وفتحته لتجد في داخله حجراً أزرق أملس صغير.

سر الأحجار الغامضة - 3

واستمرت في البحث حول المكان، هنا وهناك، وتحت التراب، ولكنها لم تجد سوى ريشة سوداء كبيرة، وضعت كل ما وجدته في حقيبة ظهرها وعادت إلى المخيم، كانت طوال الطريق تنظر بتفحص، عساها تجد أي أثر لما يمكن أن يدلها على مكان الكنز الحقيقي.

فور وصولها إلى المخيم اتجهت بسرعة إلى خيمة المشرف لتخبره عما وجدته، لكنها رأته يفتح كيساً صغيرا يشبه الكيس الذي وجدته ويضع فيه حجراً وهو يردد:

"لا بد أن أعثر عليهم، لابد".

فتراجعت للخلف قبل أن ينتبه إلى وجودها، وانصرفت مذهولة. ما الذي يجري؟ هل اكتشف المشرف مكان الكنز وأخذه قبل أن تصل إليه؟! ولكن. ما الذي عليها فعله؟ لا بد أنه سيحتفظ به لنفسه، ثم سيبيعه ويحصل على ثروة منه.

وأثناء شرودها بهذه المعضلة، اقتربت منها هبة وقاطعت أفكارها المتدفقة، وأسئلتها المحيّرة:

- ماذا أحضرتِ من الغابة؟

ألصقت صبا فمها بأذن هبة وهمست:

- وجدت شيئاً مثيراً، قرب شجرة بلوط ضخمة، لن تصدقي روعته، إنه...

وبدا الاهتمام والفضول على وجه هبة، لكن دعوة المشرف لاجتماع فوري قطع على الفتاتين حديثهما:

- حسناً، سأخبرك فيما بعد، ولكن لا تخبري أحداً

- حسناً..

توجه الجميع للاجتماع حتى يعرضوا ما جمعوه من الغابة، وكادت عينا صبا تخرجان من تجويفهما، وهي تنظر بفضول إلى ما جمعته الأخريات من عظام، تخيلت صبا أنها تعود لحيوانات صغيرة افترستها أخرى كبيرة، وثمار لها قشور خشبية، وفطور بألوان زاهية وأخرى سوداء، حيث شرح لهم المشرف الفرق بين الفطر السام وغير السام، كما عرضت إحداهن مجموعة حشرات غريبة الشكل وضعتها في قارورة بلاستيكية شفافة.

أحسّت أنها تشاهد فيلماً علمياً أو بالأحرى أنها تمثله.

سر الأحجار الغامضة - 4

أخرجت هبة حجراً مسطحاً عليه أثر قدم لحيوان زاحف، كم كانت تأمل أن يكون اكتشافها نوعاً من المستحاثات التي تعلمتها في دروس العلوم، لكن المشرف أوضح أن هذا الحجر من الطين الجاف الذي كان ليناً فيما سبق، قد داس عليها حيوان، فطبعت أثر قدمه عليها، أي أنها حديثة العهد ولا يمكن تسميتها مستحاثة، وضغط المشرف على طرفها، وفتتها ليثبت أنها ليست من المستحاثات، فخاب أمل هبة التي كانت تتمنى لو أنها كانت أثراً ذا قيمة.

وأخيرًا، جاء دور صبا لتخرج ما أحضرته، تلكأت قليلاً، ثم أدخلت يدها في جيبها، وأخرجت الريشة السوداء وسط دهشة هبة التي كانت تنتظر ما هو مثير.

لم يعلق المشرف كثيراً واكتفى بقوله:

"ممم ... أظنها ريشة غراب. إنه طائر ذكي جداً. لقد قام العلماء بدراسة سلوكه بشكل واسع، حتى أنهم صرحوا في إحدى التجارب، بأن الغراب قد قام باستخدام سلك بعد أن ثناه، ليحصل على طعامه المخبأ"

أخيرًا، وبعد أن انتهت الفتيات من عرض اكتشافاتهن المختلفة، انفض الاجتماع، وحان وقت الألعاب الجماعية، فانتهزت صبا فرصة انشغال الجميع بلعبة شد الحبل، ونادت صديقتها هبة التي بادرتها بالسؤال وعلامات الاستغراب والذهول تملأ وجهها:

" ريشة غراب! هذا هو اللغز الكبير الذي اكتشفتِه؟"

- طبعا لا. لكني لم أتمكن من إظهار ما وجدته، لأنني أعتقد أن المشرف يبحث عن الكنز الذي اكتشفته.

- كنز!

- نعم، كنز مذهل.

وحدثتها عن الأحجار والكيس الذي وجدته بعد أن ركضت هبة خلف الأرنب، وكيف أنها رأت المشرف ومعه كيس يشبهه، وفيه أحجار تشبه تلك التي وجدتها، وأن هذه فرصتهما لتذهبا وتكملا البحث عن الكنز الموعود.

فكرت هبة قليلاً:

"ألا يجب علينا أن نخبر المشرف أننا ذاهبتان؟"

- كيف سنخبره يا ذكية، وهو يريد أن يصل إلى الكنز قبلنا؟ كفاك جبناً وتحلّي بروح المغامرة ولو لمرة واحدة في حياتك.

- حسنا سآتي معك، ولكن انتظري حتى أحضر حقيبتي.

- لا تحضريها سينتبهون لنا، أنا معي حقيبتي وهي كافية.

سر الأحجار الغامضة - 5

تسللت صبا بصحبة هبة داخل الغابة حتى وصلتا إلى شجرة البلوط الغامضة، ففتحت صبا حقيبتها ونثرت ما فيها على الأرض، حتى وجدت الحجارة والكيس، ومدت يدها لتريهم لهبة. لكن غراباً انقض عليها وكاد أن يجرح يدها وطار مبتعداً، فتبعثرت الأحجار على الأرض:

- يا إلهي، ما قصة هذا الغراب الأحمق، أنا متأكدة أن معلومات مشرفنا مغلوطة جداً، لا يمكن لطائر همجي كهذا أن يكون ذكياً، لقد كاد يؤذي يدي؟

ثم نظرت إلى الأعلى لتجد الغراب واقفاً فوق الشجرة، وهو ينظر إليهما بعينيه الحادتين، واعترتها رعشة خفيفة، وشعرت كأنه كان يراقبهما فعلاً، فلملمت ما وقع منها بسرعة، وهي تراقبه بشكل متقطع، وتحدث هبة:

- علينا أن نضع خطة محكمة للبحث، ربما علينا البحث عند بقية أشجار البلوط، فقد يكون بقية الكنز مخبأ تحت أحدها قريباً من هنا، هيا بنا بسرعة.

وبدأتا تنتقلان من شجرة إلى أخرى، وتبحثان بحماس دون أن تشعرا بالمسافة التي قطعتاها داخل الغابة، وفجأة انتبهت هبة ونظرت حولها قائلة:

"لقد ابتعدنا عن مكان التخييم".

- لا تخافي يا هبة فأنا أحفظ طريق العودة.

وداهمهما الوقت دون أن تشعرا، ولم تجدا أي شيء مثير. أحست هبة بالتعب، فجلست تشرب الماء من زمزمية كانت في حقيبة صبا وتنهدت قائلة:

"يكفي يا صبا، علينا العودة، ولكن، من أين الطريق؟"

التفتت الفتاتان حولهما تبحثان عن علم المخيم، أو عن أي شيء يمكن أن يدلهما على طريق العودة، دون فائدة.

حاولت صبا أن تتذكر معالم الطريق وهي تمشي وتتلفت حولها:

"نعم، كانت هذه الصخرة الكبيرة في الجهة اليمنى، نعم، نعم تذكرت، سننعطف نحو اليسار بين الشجرتين ونستمر إلى الأمام"

وبعد فترة من المسير:

"أين نحن يا صبا؟"

- آااه، لا أدري، يبدو أن هناك أكثر من صخرة كبيرة!

- أرأيت إلى أين أوصلتنا أفكارك واكتشافاتك!

- توقفي عن اللوم الآن، وفكري معي بطريقة نعود فيها إلى المخيم

حاولت صبا وهبة البحث عن طريق للعودة، دون جدوى.

سر الأحجار الغامضة - 6

فخطرت لهبة فكرة:

"صبا، ما رأيك أن نتسلق الشجرة، فربما رأينا الطريق إلى المخيم من الأعلى!"

حاولت الفتاتان تسلق الشجرة، وتعلّقت هبة بالغصن القريب وشدت جسمها لتصل لأعلى الشجرة لكن الغصن انكسر فوقعت والتوى كاحلها، وجلست تبكي:

"آااااه، قدمي تؤلمني. ماذا سنفعل الآن؟ أنا خائفة!"

- اهدئي يا هبة، ولاتخافي، لا بد أنهم يبحثون عنا الآن، ولكن كيف سندلهم على مكاننا؟

أطرقت هبة وهي تفكر قليلاً ثم قالت:

"نعم وجدتها، نشعل ناراً ليرتفع الدخان في السماء ويعرفوا مكاننا، ألم نتعلم إشعال النار في الكشافة؟

- رأيت كيف تخرج الأفكار الذكية عندما نهدأ؟!

- خذي الحقيبة وأخرجي منها أعواد الثقاب ريثما أحضر القش وأعواد الخشب

عادت صبا تحمل القش والأعواد، وأخرجت هبة أعواد الثقاب من الحقيبة وقد بدا على وجهها اليأس:

"لقد تبللت الأعواد يبدو أنني لم أغلق الزمزمية جيداً بعد أن شربت منها".

- لا تقوليها. ما العمل الآن! آآآه نعم، هل تذكرين درس إشعال النار؟

والتقطت صبا من الأرض حجرين:

- سنطرق هذين الحجرين معاً ليولدا شرارة تشعل القش وأعواد الخشب.

أخذت صبا تطرق الحجرين مع بعضهما دون فائدة، فبادرتها هبة:

"أظن أن هذا لن يفلح، فالأحجار يجب أن تكون صلبة جداً وملساء حتى تصدر شرارة".

- حسناً. سنحاول إشعال النار بالاحتكاك، سأدور هذا العود على الخشبة بسرعة.

لكن محاولتها لم تنجح، وأصيبت كفا صبا ببعض الجروح من ذلك العود الخشن.

- أوف. يبدو أن الدروس النظرية تختلف عن التطبيق كثيراً، والآن ماذا سنفعل؟ بدأ الظلام يخيم، ونحن تائهتان وسط هذه الغابة المرعبة.

وفجأة صرخت هبة صرخة مدوية:

"أفعـى"

وقفت صبا بحالة تأهب وأمسكت عوداً طويلاً، ونظرت نحو الجهة التي أشارت إليها هبة فوجدت أفعى ذهبية اللون. ابتلعت صبا ريقها بصعوبة وطلبت من هبة أن لا تتحرك فقد كانت الأفعى تزحف بعيداً عنهما وهمست:

- (حافظ على الهدوء إذا واجهت أفعى ) تذكري ما تعلمناه.

وماهي إلا دقائق حتى ابتعدت عنهما. أجهشت هبة بالبكاء:

"سنموت في هذه الغابة الموحشة"

- كفاك ذعراً خذي نفساً عميقاً، واستجمعي أفكارك لنجد حلاً مناسباً.

حاولت هبة أن تهدّئ من خوفها قليلًا، ثم رفعت رأسها وقالت:

"لقد خطرت لي فكرة، لا بد وأنهم يبحثون عنا الآن، ومن قواعد الكشافة المهمة: (أعلِم الآخرين بمكانك) سنصنع علماً ونلوّح به. اجمعي بعض الأخشاب الطويلة، ولنربط في رأسها وشاح الكشافة ونلوح به"

- حسناً، فكرة جيدة، ولكن يجب أن تكون العصا طويلة.

- يمكننا ربط الأعواد مع بعضها لنحصل على الطول المناسب.

- سنحتاج إلى حبل لربطها.

- بالتأكيد لديك حبل، إنه من لوازم الكشافة

- نعم.. نعم.. هذا صحيح

ورفعت صبا العصا بعد أن ربطت وشاحاً في أعلاها وبدأت تلوح به، وبدأ الظلام يلف الغابة، وصبا لا تزال تلوح بالوشاح، وأخيراً يئست من محاولاتها غير المجدية:

- يبدو أن هذه الطريقة لن تفيدنا بشيء، لقد حل الظلام، ولم يأت أحد لإنقاذنا. علينا أن نجد طريقة أخرى تدلهم على مكاننا، ربما لو أصدرنا أصواتاً مرتفعة، ألا تذكرين درس (طرق طلب النجدة)

وصاحت هبة وكأنها وجدت كنزاً:

"الصافرة. سنستخدم الصافرة"

سر الأحجار الغامضة - 7

فتحت صبا الحقيبة وبحثت عن الصافرة، وأخرجت محتويات الحقيبة كلها ونفضت الحقيبة ولكن دون جدوى:

"أين ذهبت؟ لقد وضعتها بيدي في الحقيبة!"

- لا بد أنك نسيت إعادتها إلى الحقيبة عندما هجم علينا الغراب

- والآن لم يبق لدينا سوى الملعقة والصحن والمصباح....

- خطرت لي فكرة يا صبا. سأطرق طرقتين قويتين متتاليتين بالملعقة على الصحن ثم تضيئين المصباح مرة نحو الأعلى ونكرر ذلك حتى ينتبهوا لمكاننا.

- هيا، بسم الله.

وبعد عدة محاولات جاء صوت من بعيد:

"أنتما هنا ...؟ "

تهلل وجه صبا وهبة وأخذتا بالصراخ:

"نعم. نحن هنا. نحن هنا"

وأخيراً وصلت المشرفة والمشرف مع فريق الكشافة إلى المكان .قفزت صبا فرحاً، وعانقت هبة المشرفة وهي تقول:

"ظننت أننا سنمضي ليلتنا في هذه الغابة الموحشة".

فقال لهما المشرف معاتباً:

"ما الذي أتى بكما إلى هنا؟!"

لم تعرف صبا وهبة ماذا تقولان، واحمر وجهاهما خجلاً.

سر الأحجار الغامضة - 8

وعندما وصل الجميع إلى المخيم لف المشرف قدم هبة برباط، وعقم الجروح في يد صبا ووضع عليها لاصقا طبياً:

- والآن صارحاني ما سبب ذهابكما للغابة؟

لم تجد صبا بدًّا من قول الحقيقة فأخرجت من جيبها الأحجار والكيس وقالت:

"كنت أبحث عن الكنز، وطلبتُ من هبة مرافقتي".

نظر المشرف باستغراب وقال لصبا:

"غير معقول! أين وجدت هذه الأحجار والكيس؟"

- تحت شجرة بلوط في الغابة

وحكت للمشرف المغامرة كلها:

"ههههههه، يبدو أن خيالك واسع جداً يا صبا".

- ولكن. لماذا تضحك؟

- بعد أن وصلنا للمخيم أخرجت حاجياتي من الحقيبة لأرتبها فيما بعد، ومن ضمنها الكيسان الحريريان وبداخلهما أنواعٌ مختلفة من الأحجار، كنت سأعرضها عليكم، في درس أنواع الصخور والأحجار الكريمة، وعندما خرجت للاجتماع بكم، عدت لأجد كيساً منها قد اختفى، ولفت نظري غراب يقف أمام الخيمة، وعندما اقتربت منه طار مبتعداً ولكنه بقي قريباً يحوم فوق الخيمة، واستغربت من وجوده قريباً، ولكنني لم أتوقع سرقته للأحجار.

فتحت صبا فمها وقالت:

"ماذا! يسرقها؟"

- نعم، فمن المعروف أن الغربان تحب الأشياء اللماعة، وهي تسرقها لتزين بها أعشاشها. أظن أن ما وجدته قد وقع من عش الغراب السارق.

فعلقت هبة وهي تغمز صديقتها:

"يبدو أنه ليس غبياً كما ظن البعض، لقد كان يدافع عن مسروقاته، أقصد، عن أثاث بيته".

انفجر الجميع ضاحكين. وبالرغم من خيبة صبا الواضحة، لفشلها في اكتشاف كنز حقيقي، ولكن لا بأس، فقد خاضت بالفعل مغامرة حقيقية كالتي تراها في الأفلام، ولكن هذه المرة كانت هي البطلة.
Top