رتبت جيدا غرفتها، ارتدت قميصها الأصفر والبنطال المطبع بالفراشات الملونة، اختارت
الوشاح الزهري من بين أوشحتها الملونة الكثيرة مررته من تحت شعرها وعقدت طرفيه عقدة
كبيرة على قمة رأسها، نظرت إلى مرآتها نظرة متفحصة ووضعت يدها على عنقها:
"ممم.. هذا القميص الفاتح يلزمه عقد ملون"
فتحت درج تسريحتها وأخذت تنبش في العقود والأساور المتشابكة.
"هاهو، هذا مناسب تمامًا"
أخرجت عقد الخرز الملون الذي صنعته السنة الماضية، مع السوار المماثل له، لبستهما
ونظرت إلى مرآتها، ابتسمت راضية. كانت تبدو كباقة أزهار متفتحة.
كل شيء يبدو مبهجًا في هذا اليوم الربيعي الذي قررت أن تقضيه مع ابنة خالتها زينة.
"هل تحتاجين شيئًا أمي، أنا ذاهبة إلى زينة"
أطلت أمها من باب المطبخ وكأنها تذكرت شيئًا هامًا:
"طبعًا حبيبتي، انتظري لحظة"
مسحت كفيها المبللتين بفوطة المطبخ وخرجت مستعجلة، تململت جيدا قليلًا فهي تعرف أن
اللحظة في توقيت أمها من الممكن أن تساوي ثلاثين دقيقة في ساعة يدها.
ربما بالغت جيدا قليلًا، إذ سرعان ما عادت أمها تحمل بيدها جهاز "الآيباد" الأحمر
إنه جهاز جدتها وضعته بحرص في غلافه المخملي
"الله يرضى عليك أوصليه لجدتك، أخبريها أنّ برنامج الفوتوشوب أصبح جاهزًا"
وضعت جيدا الجهاز في حقيبتها القماشية التي تحملها دائمًا في الصيف. لون قماشها الجينز
الفاتح يناسب كل ثيابها الصيفية الزاهية.
"حسنا سأمر على زينة أولًا ثم نذهب معًا"
قبلتها أمها القبلة المعتادة:
"انتبهي لنفسك حبيبتي"
هبطت جيدا سلم البناء درجتين درجتين:
"حاضر أمي"
أكثر الأماكن التي تقضي فيها جيدا أوقاتًا ممتعة هو بيت زينة وبيت جدتهما.
ولحسن الحظ فإن بيت جيدا قريب من بيت جدتها.
تعلمت جيدا حب الألوان من جدتها، ففي كل زاوية من بيتها ملاءة مطرزة أو مرآة ملونة،
ورغم أعوامها الستين مازالت تستمتع بالرسم وتحب أن تجرب كل جديد، في الصيف الماضي
حضرت جيدا مع جدتها دورة للتطريز اليدوي، تصاميم جيدا كانت الأفضل، قالت لها جدتها
بأنها تشبه تصاميم مدام سعاد.
مدام سعاد أول من ابتكر تطريز العباءات بالخيوط المذهبة، وهي من صمم فستان زفاف أمها
كما أخبرتها جدتها، تضحك جيدا كلما تذكرت الأكمام المنفوخة من الأعلى لفستان أمها،
أخبرتها جدتها أن هذا التصميم نالت عليه مدام سعاد جائزة الإبرة الذهبية[6]، كم تحلم جيدا لو
تنال يومًا جائزة في التصميم.
خلال دقيقتين وصلت جيدا لبيت زينة.
تبدو جيدا وزينة كأختين، مع فارق واضح في الطول، لكن جيدا لا تهتم، فزينة في العاشرة
تكبرها بعام، ومازال أمامها الوقت الكافي لتصبح بطولها أو أكثر.
تمشي زينة بهدوء، تقفز جيدا قفزًا، ففي كل مرة تسبقها وتقرع باب الجدة أولًا، لكنها هذه
المرة توقفت أمام العمارة التي تسبق بيت جدتها وأخذت تمشي بهدوء بجانب سور الحديقة التي
تحيط بالبناء. وفجأة توقفت زينة أمامها:
"ما بك عمَّ تبحثين"
أشارت لها جيدا أن تنصت:
"ألا تسمعين، مواء قطة"
رفعت زينة كتفيها باستغراب:
"نعم أسمع، ما المشكلة؟"
اقتربت جيدا أكثر وحاولت أن تنظر داخل الحديقة، كانت تحجبها أغصان نباتات كثيفة
متشابكة عالية:
"ليس مواء عادياً، إنها قطة تتألم، أين هي؟ لا أرى شيئاً؟"
ضحكت زينة:
"كيف عرفت أنها تتألم هل تعرفين لغة القطط"
أشارت لها جيدا أن تنصت:
"ألا تذكرين صوت قطتي عندما مرضت كيف أصبح كبكاء طفل رضيع، أنصتي، ألا
تسمعين"
اقتربت زينة من السور أكثر:
"ممم، معك حق لكن الصوت يبدو عميقًا تعالي نبحث في الجوار"
دارتا خلف البناء دورة كاملة، لم تجدا شيئاً.
أمسكت زينة يد جيدا:
"لا. الصوت أصبح بعيداً، ليست هنا، تعالي نعُدْ"
توقفت جيدا عند زاوية البناء حيث لم يكن هناك سور للحديقة وكانت أغصان النباتات متباعدة
"زينة، انظري نستطيع أن ندخل من هنا"
ترددت زينة قليلاً، لكن مواء القطة الحزين جعلها توافق:
"حسنا، هيا"
أصبحتا داخل الحديقة، بحثتا جيدًا بين الشجيرات المتشابكة لم تعثرا على شيء، تنبهتا أن
الصوت كان يأتي من داخل الطابق الأرضي الذي تحيط به الحديقة
الشقة رقم 58 كانت دائماً تبدو معتمة مغلقة النوافذ والأبواب، لكنها هذه المرة بدت مختلفة
فإحدى نوافذها كانت مكشوفة وتظهر من خلفها ستارة بيضاء، بينما الباب بجانبها مغلق
بأباجور يصل إلى الأرض، اقتربتا منه، أصبح صوت المواء واضحًا جدًا، ركعت جيدا بجانب
مصدر الصوت ونظرت من خلال الفراغ الصغير بين الأباجور والأرض:
"زينة، انظري الذيل هنا وجسم القطة في الداخل خلف الزجاج!"
انحنت زينة بجانب جيدا:
"آه، الذيل محشور في فتحة الباب!"
:وقفت جيدا وحاولت النظر من خلال فتحات الأباجور
!"كيف لم ينتبه لها سكان البيت، أما من أحد هنا؟"
:شدتها زينة من كتفها وأبعدتها عن النافذة
"جيدا ماذا تفعلين، أنت تتلصصين على بيوت الآخرين"
:أفلتت جيدا من زينة ولصقت وجهها في النافذة المكشوفة
:"أنا لا أتلصص، أنظر فقط إن كان هناك أحد في الداخل، انظري هناك سيدة"
اقتربت زينة وألصقت وجهها أيضا في النافذة، خلف الستارة البيضاء إلى الداخل قليلاً تراءى
للبنتين سيدة تجلس على الأريكة، تلبس عباءة بدت لهما سوداء وعلى رأسها وشاح، كانت
تجلس بشكل جانبي فلم تريا وجهها، ظهرها المشدود يوحي بأنها شابة، كفها قرب خدها
.وذراعها مستندة على الأريكة، بدت لهما تتحدث على الهاتف
:نقرت جيدا على النافذة
"خالة، خالة لو سمحت"
:نقرت جيدا ثانية
"خالة، أنا هنا"
:أبعدتها زينة بحزم
"لن تسمعك، ألا ترين أنها تتحدث على الهاتف، تعالي نقرع جرس الباب"
خرجت البنتان من الحديقة، ودخلتا البناء من بوابته، باب الشقة 58 كان الباب البني إلى
اليسار، اقتربتا لتقرعا الجرس، وجدتا الباب مفتوحًا قليلًا، نظرتا باستغراب، قرعت زينة
الجرس وانتظرت قليلًا، لم يصدر أي صوت من الداخل سوى مواء القطة المتقطع قرعت
جيدا الجرس مرتين متتاليتين، لم يسمعا أي حركة في الداخل.
:تساءلت جيدا
"غريب، السيدة في الداخل كيف لم تسمع قرع الجرس، كيف لم تسمع مواء القطة؟"
:همست زينة
"ربما كانت مشغولة بحديث هام!"
:دفعت جيدا الباب قليلاً بيدها إلى الداخل
"حسناً، لندخل وننبهها"
:نقرت زينة الباب نقرات متتالية
"انتظري، لنستأذن ثانية"
:لم تنتظر جيدا دفعت الباب وأصبح البيت مكشوفًا أمامها، وهمست لزينة
"انظري مازالت في نفس المكان، تعالي ندخل ونحدثها"
:أمسكت زينة هاتفها المحمول
"لا انتظري، دعينا نخبر جدتك"
لم تتلق زينة ردًا من جدتها، ولم تنتظرها جيدا إذ تجاوزت عتبة الباب فتبعتها زينة، أصبحتا
داخل البيت، فاجأتهما رائحة قهوة طازجة، وعطر لصابون خفيف، في آخر الصالون الواسع
الذي دخلتاه، كانت السيدة مازالت جالسة على الأريكة بجانب النافذة، مازالت بنفس الوضعية
:ظهرها مواجه لهما، تقدمت الفتاتان بحذر
"السلام عليكم، مرحبًا، مرحبًا خالة"
لم تصدر عن السيدة أية حركة، ولا صوت في البيت إلا مواء القطة الذي يرتفع، تبادلت
البنتان النظرات بقلق، لا مجال للتراجع، اقتربتا من السيدة أكثر، خطتا خطوتين حول الأريكة
لتكلماها وجهها لوجه، أصبحتا أمام وجه أبيض بلا ملامح، شهقتا معاً وارتدتا إلى الخلف
:بذعر
"هييييي... بسم الله الرحمن الرحيم"
.كان تمثالاً لعرض الملابس
:وضعت زينة يدها على صدرها، كانت تلهث
"يا إلهي، ما هذا المكان؟!"
أغمضت جيدا عينيها وتنفست بعمق، استعادت هدوءها، وبدأت تمسح المكان بنظرة فاحصة،
:كان هناك تمثال آخر بلا رأس يلبس ثوب زفاف أبيض بأكمام منفوخة من الأعلى
"هل توقف الزمن في هذا المكان؟ كم هو قديم هذا الطراز!"
وتمثال آخر بعباءة مطرزة، تلمست جيدا خيوطها الذهبية النافرة، وابتسمت كخبير، باتت تتقن
هذا الفن تمامًا، أخذت تتجول بين الأشياء كالمسحورة، ماكينة خياطة من طراز قديم، تصاميم
لفساتين مرسومة على ورق مصفر، مقص كبير، مسطرة خشبية طويلة ونبتة صبار قماشية
مغروس عليها دبابيس ملونة، وعشرات بكرات الخيوط الذهبية والفضية، الحريرية والملونة،
كم يبدو أليفًا هذا المكان وكأنها زارته في أجمل أحلامها، اقتربت مذهولة من مجسم ذهبي
:رفعته عالياً
"!يا إلهي، جائزة الإبرة الذهبية!"
هزتها زينة من كتفها
"هل نسيت لأي سبب نحن هنا"
تنبهت جيدا:
"لا لا لم أنسَ"
:تلفتت البنتان تبحثان في المكان، وبدأتا تناديان
"أما من أحد هنا... هل من أحد في الداخل"
"القطة عالقة، هل من أحد هنا"
.توقفت البنتان وصمتتا تنتظران جوابًا ولكن لا صوت إلا صوت القطة
:أمسكت زينة بيد جيدا بقلق
"جيدا، تعالي نخرج من هنا"
:أفلتت جيدا من يد زينة وأشارت إلى حيث يصدر الصوت
"والقطة، أنسيت أننا دخلنا لننقذها"
:تتبعتا صوت المواء قادهما نحو غرفة إلى اليمين، قالت زينة بحزم
"إذا لم نجدها سنخرج فورًا"
أصبحتا داخل الغرفة، كان المكان معتمًا، فأشعة الشمس المتقطعة التي كانت تأتي من فتحات
الأباجور غير كافية. خلف الأريكة العريضة التي تستند إلى الباب الزجاجي كانت القطة تموء
.وتخربش
:نظرت البنتان خلف الأريكة
"ها هي ما أصغرها، زينة ادفعي الأريكة قليلًا"
دفعت زينة الأريكة وسحبت جيدا واجهة الباب الزجاجي التي كانت تطبق على الذيل، تحررت القطة وأصدرت مواءً حاداً.
:سحبتها جيدا من تحت الأريكة برفق، حضنتها وتفحصت ذيلها
"الحمد لله، لم تتأذَّ"
:نظرت زينة متسائلة
"يبدو أنها صاحبة البيت، ماذا سنفعل، تعالي نهرب"
لم تفكر البنتان طويلاً، التفتتا نحو صوت العكاز القادم نحوهما، ووجدتا العجوز عند باب الغرفة. حملقت فيهما من خلال نظارتها وشهقت شهقة كبيرة:
"من أنتما! ماذا تفعلان هنا؟"
:حاولت زينة ألا يبدو صوتها مرتجفًا
"نحن آسفتان خالة، سمعنا صوت مواء، كان الباب مفتوحًا فدخلنا لننقذ القطة وسنخرج فوراً"
:وضعت العجوز يدها خلف أذنها واقتربت منهما أكثر
"ماذا، ماذا تقولين، خبئتما القطة خلف الباب"
تراجعت الفتاتان للخلف، حاولت جيدا أن توضح لها:
"لم نخبئها، وجدناها عالقة خلف الأريكة"
:حملقت فيهما العجوز وهي ترتجف فوق عكازها
"سبيكة، أي سبيكة"
:شدت زينة جيدا من كمها
"يبدو أنها لا تسمع جيدا، لا فائدة من تكرار الكلام علينا أن نجد طريقة أخرى"
:تركتهما العجوز عائدة إلى غرفة التماثيل، فتبعتاها، استدارت نحوهما "لن تخرجا من هنا قبل أن أتأكد أنكما لم تسرقا شيئاً"
ثم جلست على الأريكة مقابل تمثال العباءة السوداء، وأخذت تنظر لهما من فوق نظارتها التي ترتكز على طرف أنفها.
:نظرت البنتان بذهول
"ماذا سنفعل؟"
:قالت زينة
"معك قلم وورقة؟"
أخرجت جيدا دفتر رسوماتها الذي تحتفظ به دائمًا في حقيبتها، انتزعت زينة ورقة وكتبت ما حصل معهما، قربت العجوز نظارتها وأبعدتها ثم ألقت الورقة:
"هه.. لا أصدق ألاعيب الصغار، لن تخرجا قبل أن يأتي ابني ويفتشكما"
.أمسكت هاتفها وبدأت تضغط على الشاشة
:كتبت زينة لها ورقة ثانية وقدمتها لها
"نحن جيران، جدتي أم حسان تسكن في العمارة المجاورة"
:عبست العجوز، ثم نظرت تفكر
"لا أذكر أحدًا بهذا الاسم، كنت خارج البلاد لعشرة أعوام وعدت منذ يومين فقط "
:نظرت جيدا لزينة بيأس
"يا إلهي، ما هذه الورطة، ماذا سنفعل؟"
همست زينة:
"اطمئني، انظري"
:فتحت هاتفها المحمول وقربته من جيدا، قرأت جيدا على الشاشة المضاءة
"جدتي لا تقلقي إذا تأخرنا نحن في الشقة 58"
:نظرت جيدا متسائلة، فهمست زينة
"تركت لها هذه الرسالة قبل أن ندخل، ستأتي الآن وتتذكرها العجوز"
:هزت جيدا كتفيها
"وهل تعتقدين أنها ستأتي، ألا تعلمين أن جدتك لا تتفقد هاتفها إلا كل خمس ساعات؟"
:هزت جيدا كتفيها
"وهل تعتقدين أنها ستأتي، ألا تعلمين أن جدتك لا تتفقد هاتفها إلا كل خمس ساعات؟"
كانت العجوز ترقبهما بطرف عينها بينما تمسح على ظهر قطتها التي هدأت في حضنها
:بعد عشر دقائق، كان الجرس يقرع، نظرت جيدا لزينة بخوف
"لابد أنه ابنها"
اتكأت العجوز على عكازها وتوجهت نحو الباب، نظرت زينة باستغراب وهمست
"كيف سمعت صوت الجرس؟"
:فتحت العجوز الباب، كانت جدتهما، اندفعت إلى الداخل وتعانقت السيدتان كصديقتين حميمتين
"مدام سعاد الحمد لله على السلامة، متى عدتِ لا علم لي والله"
"الله يسلمك حبيبتي أم حسان، كنت سأتصل بك لو لم تأتِ"
جالت الجدة بعينيها قليلا في المكان، عثرت على البنتين تنظران بذهول، كانت زينة مذهولة لأن العجوز أصبحت تسمع، بينما كانت جيدا تتساءل في سرها:
"أيعقل أن تكون هي نفسها مدام سعاد، نفس التصاميم والعباءات المطرزة وجائزة الإبرة الذهبية؟"
نظرت الجدة لهما وكأنها تسألهما عن سبب وجودهما هنا، وتوجهت معتذرة للعجوز
"سامحيني مدام سعاد، أرجو ألا تكون البنتان قد سببتا أي إزعاج، الآن فقط تنبهت إلى رسالة حفيدتي زينة، فأتيت فورًا"
.ضحكت العجوز وشرحت للجدة كيف وجدتهما في بيتها
:عبست الجدة
"لا يجوز لكما أن تدخلا أي بيت دون استئذان أصحابه لأي سبب كان، اعتذرا للسيدة وعداني ألا تكررا الأمر"
اقتربت البنتان من الجدة والعجوز وبادرت زينة بالكلام:
"آسفة خالة، آسفة جدتي، لم نكن لندخل لولا صوت القطة الذي يقطع القلوب وكنا سنخرج فورًا"
:أكملت جيدا
" كان الباب مفتوحا، فدخلنا لننبه السيدة الجالسة على الأريكة فوجدناها تمثالًا"
:تبسمت العجوز، ثم دعتهم للجلوس
"تفضلي، تفضلي ست أم حسان، الحقيقة أن البنتين قد أنقذتا القطة فعلًا. منذ الصباح لم أعد أراها أو أسمع صوتها، فخرجت أبحث عنها في الجوار، ولو لم تأتيا لبقيت عالقة. سامحني الله أغلقت الباب دون أن أنتبه لها"
:سألت الجدة
"ألم تسمعي صوتها ست سعاد، ألم تكن تموء؟"
:ابتسمت العجوز ونظرت للبنتين
"عندما عدت للبيت وكلمت البنتين لم أكن أسمعهما جيدًا، فتنبهت إلى أن سماعتي التي تساعدني على السمع لم تكن مثبتة بشكل جيد، فثبتها وعدت أسمع"
نظرت جيدا وزينة مستغربتين وأكملت العجوز محدثة الجدة:
"الحقيقة أني لم أشك أبدًا أنهما بنتان مؤدبتان، وعندما قالتا إنهما حفيدتاك تأكدت أكثر، لكني كنت أود أن ألقنهما درسًا" تبادلت زينة وجيدا النظرات، لقد فهمتا الأمر الآن، فيما هزت جدتهما رأسها مؤيدة لكلام العجوز.
."معك حق ست سعاد، لو دخلنا بيتًا آخر غير بيتك لكانتا في ورطة كبيرة"
كررت البنتان اعتذارهما للست سعاد، سامحتهما وقالت بأنها مسرورة للتعرف إليهما، ورددت اسميهما لتحفظه:
"زينة وجيدا"
.جلست جدتهما والعجوز تتذكران الأيام الخوالي، وتأكدت جيدا أن المدام سعاد هي نفسها مصممة الأزياء الشهيرة
:دعتهما لتكرار الزيارة، فنظرت جيدا متلهفة، فهمت عليها جدتها
"أكيد، أكيد ست سعاد، سنزورك مرات ومرات"
:وضعت يدها على كتف جيدا بفخر
"حفيدتي مهتمة بالتصميم والأزياء، هل تحملين شيئًا من رسوماتك لتريه للست سعاد"
فتحت جيدا حقيبتها بحماس، أخرجت دفتر رسوماتها وجلست بجانب الست سعاد التي أخذت تنظر للرسوم بإعجاب:
"رائع، ممتاز، عندك حس فني عال صغيرتي، هل اِطَّلعتِ على خطوط الموضة لهذا العام؟"
:نظرت جيدا متسائلة. تبسمت الست سعاد بثقة
"في كل عام يتفق مصممو الأزياء على خطوط عامة للموضة، عندما تأتي لزيارتي في المرة القادمة سأطلعك على كل الأسرار".
كان ذلك أكثر مما يمكن أن تحلم به جيدا، صحيح أنهما أخطأتا بدخول البيت، ولكن في سرها كانت فرحة بهذه المغامرة التي حملتها لتصبح في بيت أشهر مصممة أزياء في الإمارات في العقد الماضي.
ودعتهم العجوز بمحبة، وشدت على يد زينة:
"أحسنت صنعًا يا صغيرتي، أمر جيد أن تخبري جدتك بما يحدث معكما"
تبسمت زينة وغمزت لجيدا، كانت دائمًا تنقذها في المواقف الحرجة.